LEXICARABIA

LEXICARABIA

La perception de la parole

إدراك الكلام

ترجمة : عبدالغفور البقالي

 

730AE8C9-3B57-47D9-83AF-16270186D926.gifبإمكاننا وصْف عمليّة إنتاج الكلام على شكل سلسلةٍ من العمليات والتَّمثيلات تسمح بربط مراحل مُبكِّرةٍ للتّصورات مع تلك التي تحدث في النهاية عند التّلفُّظ. ونستطيع بالتَّالي تحليل عملية تصوُّر الكلام بالاعتماد على سلسلةٍ من العمليات والتَّمثيلات التي تؤدّي إلى ربط المعنى التصوُّري بإشارة ماديةٍ أو مُنبِّه الكلام (stimulus de parole).

 

وبما أنّ "مدخل" نظام التصوُّرات يتكون من إشارةٍ مادِّيةٍ، فالسؤال الأوّل الذي ينبغي أنْ نُجيب عليه، هو معرفة خاصيّات الإشارة نفسها. فانطلاقاً من هذا التَّحليل سنكتشفُ عملية التصوُّر.

 

أصوات الكلام

 إنّ النتيجة النهائية في عملية إنتاج الكلام هو موجةٌ إصْغائيةٌ مٌركَّبةٌ (onde acoustique) أو "إشارة الكلام"، بحيث أنَّ خاصياتها مرتبطةٌ بعنايةٍ بتلك التي لها علاقةٌ بالنِّظام التّصويتي. وقبل معالجة طبيعة هذه الموْجة الخاصَّة بالتَّحديد، سنطرحُ التساؤل العامّ لنتعرَّف على الموجة الصَّوتية. 

 

في أصْل كلِّ موجةٍ صوْتيّةٍ يوجدُ جسمٌ يهتزُّ؛ وخاصيّات الموْجةِ تعْتمدُ على ذلك الجسم المُهتزّ. فعندما يهتزٌّ جسم يُحْدِثُ اضطراباً في توزيع جُسيْماتٍ على الوسط الذي يتجلّى فيه. ففي الوسط الهوائي تنْتُجُ هذه الاضطرابات عن طريق تعاقُبِ تمركزات خلْخلات (تقليل الكثافة) في توزيع جُزيئات الهواء. وهذا الاضطراب يتحرّكُ بسرعة 340 متراً في الثانية تقريباً. وبالفعل هذه الاضطرابات في توزيع كثافة جُزيئات الهواء التي تنْتشِرُ مُحدثةً تلك الموْجة الإصغائية. وهذه الأخيرة هي التي ستؤثر في أذن المُستمع وليست جُزيئات الهواء المتحركة في البيئة المباشرة للجسم المُهتزّ.

 

وفي هذا السِّياق ينبغي تسجيلُ نقطتين مُهمَّتين : 

أما النقطة الأولى فتتمثّلُ في نقْل الموْجة الصَّوتية، وهذا يتطلَّب وجودَ وسطٍ للانْتشار. وفي غيّاب هذا الوسط ينْعدمُ الانتشار، وبالتّالي لا ينعدمُ الصوْت. ويكفي لإدراك ذلك تشغيلُ رنينٍ قد نضعهُ تحت جرسٍ أفرغناه مسبقاً.فنلاحظُ عدم وصول أيّ صوت إلى آذاننا. 

والنقطة الثانية، ولها ارتباطٌ بالأولى، تتمثل في سُرْعة إيصال الموْجة الصَّوتية، وأنها تختلف حسب وسط الإنجاز. فسُرْعة إيصال الموْجة الصَّوتية ليست متشابهة بالنسبة للبيئة الهوائية والبيئية المائية. 

 

وكما بيَّناه أعلاه فخاصيات الموْجة الصَّوتية تعتمد على طبيعة الجسم المُهتزّ. ففي حالة الكلام تكون خاصيات الموجة الصَّوتية أو "إشارة الكلام" معقدة جداً لأنها مُنْبعثة من نظام تصويتي هو نفسه معقّد. وفي هذه الحالة تتدخل مختلف مُكوِّنات النظام التّصويتي لتحديد خاصيات الموجة. وقبل تدقيق الخصائص الإصغائية لهذه الإشارة، سنعالجُ في ما يلي بإيجاز "مسار" المعلومات الناتجة عن أيَّة إشارةٍ إصْغائيّةٍ في نظام المعالجة السَّمعية. وينبغي التَّذكير فقط أنَّ تعقيد إشارة الكلام تُترجمُ أساساً باشتمالها على موْجات مُتعدّدة والتي تتغير بفعل الزَّمن.

 

"مسار" المعلومة في النِّظام السَّمعي

 في الظٌّروف العادية للتَّواصل قد تصلُ الموجةُ الصًّوتية المُنبعثة من الجهاز التَّصويتي للمُتكلم بعد فترةٍ يسيرةٍ عموماً إلى النِّظام الصَّوتي للمُستمع، محدثةً إحساساً سمْعياً. ما بين وصول الإشارة وإثارة الحسَّاس السَّمعي تتموْضعُ سلسلةٌ مهمَّةٌ، والتي يمكن تلخيصها بكل إيجاز (انظر الشكل1).

 

 Fig 1 p. 153.jpg

 شكل 1.تمثيل تخطيطي للجهاز السّمْعي

 

 في المقام الأول ستؤثر الموْجة الصَّوتية في الأذن الخارجية للمستمع، وستُحدِّدُ بالتالي تشغيل اهتزاز غشاء حسّاس للغاية او الطِّبْلة (tympan). وهذا الاهتزازُ سينشِّطُ بصفةٍ آليةٍ سلسلةً من العُظيمات (المطرقة والسندان والرِّكاب) بحيث تُغيِّر الحركات ضغط سوائل الأذن الدَّاخلية أو قوقعة الأذن (cochlée). ففي الواقع تعمل آخر عُظيمة أي الرِّكاب كمِكْبس (piston) في فتحة صغيرة تتواجد في عظم تُسمّى "نافذة بيضوية" والتي لها اتِّصالٌ مباشرٌ بسوائل الأذن الداخلية أو قوقعة الأذن.

فقوقعة الأذن تتمثّلُ على شكل نفقٍ حلزوني، ولها غشاء، الغشاء القاعدي (membrane basilaire)، الذي يتحمل انتشار تغييرات ضغط سوائل الأذن. ونظراً لتنظيم هذا الغشاء فأهمية تنقلاته مرتبطة بمختلف التَّردُّدات التي تُكوِّن الإشارة. ويوجد بالفعل في هذا المستوى شكلٌ من أشكال التَّحليل التردُّدي لإشارة الكلام.

وتُرمّزُ تغييرات الضَّغط في الأذن الداخلي بواسطة خلايا داخلية على شكل شُعيْرات (cellules ciliées)، والتي تتوفّر بدورها على انتقائية التردٌّد، والتي تُشكِّل بالتالي مُتلقيّات حِسِّيَّة حقيقيَّة تُمكِّن انتقال الاهتزازات الى العَصَب السّمْعي. وتنقل ألْيافُ هذا العصب هذه الرسائل الى قِشْرة الدِّماغ (cortex) بعد عدَّة مراحل وبمختلف المراكز.

 

وبدون الخوْض في التَّفاصيل، نكون قد لاحظنا تنوُّع أشكال الإرسال المُستعمَلة في النِّظام السَّمعي : إرسالٌ هوائيّ حتى الطِّبلة، إرسالٌ آليّ حتى الأذن الداخلي، إرسال مائي-آلي،  وأخيراً انطلاق كهروكيميائي وإثارة النبض العصبي.

 

الأصْواتُ الخالصة والأصوات المركّبة

 لقد لاحظنا أعلاه أنّ في أصْل كلّ صوْتٍ يوجد جسمٌ مُهْتزٌّ ؛ وأنّ خاصيّات الصّوْت تُحدّد بصفةٍ مباشرةٍ شكْل الموْجة الأكثر ملاءمةً مع ذلك الجسم (المُهْتزّ).

فشكلُ الموْجةِ الأكثر بساطة هي تلك التي تتطابقُ مع صوْتٍ خالصٍ نَتَج مثلاً عن اهْتزاز الشّوْكة الرّنّانة (diapason)

[والشّوْكة الرّنّانة هي أداة معدنية التي ينبعث منها الصوت عندما نحرّكها]

عندما نضرب الشّوْكة الرّنّانة تضغط هذه الأخيرة على جُزيْئات الهواء في ما بينها وتُبعثرها بنفس الطّريقة. فالموْجةُ النّاتجة يكون لها شكل جيبيّ (sinusoïdale) ذات بثلاث مُتغيِّرات : التّردّد، والمدى، والمرحلة.

أما التّردّد فهو يوافق عدد الذّبْذبات التي أنْجزها الجسم المُهْتزّ خلال وحدةٍ زمنيّةٍ يُعبَّرُ عنها عموماً بأسْلاك في الثّانية أو هيرتز(Hz). ومُدّة السِّلْك أو الفتْرة يُعبّرُ عنها بميليثانية.

وأما المدى فهي تُمثّلُ ارْتفاع أو أقصى انْخفاض لضغْط الهواء الذي ينْتجُ الموْجة الصّوْتيّة.

ومرْحلةُ الانطلاق تتلاءمُ مع وضْعية الشّيْء مع بدْء الجسم في الاهْتزاز.

وهذه المُتغيّرات الثّلاث تصفُ بدقّة الموْجة الجيبيّة (onde sinusoïdale) المتمثِّلة بصوْتٍ بسيطٍ. والشّكْل 2 يُمثّلُ شكْل الموْجة.

 

 Fig. 2 p.155.PNG

 شكل 2. موْجة صوتيّة بسيطة 

 وفي مُقابل هذا النوْع من الموجة البسيطة المُتميِّزة بتردُّدٍ ومدى مُعيّن، نجدُ الموْجة الإصْغائيّة المطابقة لأصْوات الكلام التي تتّسمُ بالتعقيد، بمعنى أنّها مُشْتملة على عِدّة تردّدات من مُختلف المُدد وخصائص تتغيّرُ زمنياً. وهذا ينتجُ عنه بالطّبع أنّ أصْوات الكلام تتحدّدُ بفعل مُختلف مُكوِّنات النِّظام الصّوْتي، كما سبق أنْ فصّلْناه في الأجزاء السّابقة.

 

ولحسن الحظّ بالنّسبة الى جميع المُهْتمّين بدراسة الإدْراك السّمْعيّ، فإنّه بالإمْكان تحليل أيّة موْجة صوْتيّة مُركّبة الى مجموعة من الموْجات التي يكون لكلّ واحدةٍ منها تردُّدها ومداها ومرحلتها. وهناك طريقة للحصول على هذا النوع من التحليل، وهي تقضي بنقل الموْجة الصّوْتيّة المُركّبة عن طريق أنْظمة التّرشُّحات (système de filtres) أومِرْنانات (résonateurs) بحيث يكون كلٌّ منها له إحساسٌ بمجموعة خاصة من التردّدات. وهذا هو مبْدأ الطّيْفيّة (spectrogramme) الذي يترجم الشكل الصّوْتي الى شكلٍ مرئيٍّ.

يُوضِّحُ الشّكل 3 المبادئ الأساسيّة لأوّل أنْظمة لتصميم طيْفيّ.

  Fig. 3 p.155.PNG

شكل 3. التمثيل التّقليدي لتصميم الطّيْفيّة

 

كما يمكن أنْ نلاحظه فإنّ المُرشِّحات (filtres) موضوعة من من الأسفل الى الأعلى حسب الترتيب التّصاعدي للتردّد. وكل مرشِّح مُتّصل بمصباحٍ كهربائيّ بحيث أنّ الكثافة تختلف حسب الطّاقة المرتبطة بنطاق التردّد المقابل (إذا اشتملتْ تردّدات على نطاق التردّد مدىً مُعتبراً، تكون كثافةُ المصباح المُوصلة أشدّ). وفي مواجهة هذا الصف من المصابيح يدور طبلٌ يحتوي على فيلم حساس بسرعة ثابتة. فتُترْجمُ النّتيجة على شكل "صورة" للصّوْت أو الطّيْفيّة كالمثال في الشكل 4. وهذا الشكل يناسبُ طيفية المقولة "القارِبُ الأحمر" (Le bateau rouge).

 

 

 

 

الشكل 4. طيْفيّة المقولة  "Le bateau rouge" (في الأعلى). غشاء إجمالي للطاقة (في الوسط). حركةُ التردّد الأساسي (في آلأسفل).

 p.156.jpg

 شكل 4. مِطْياف للمقولة Le bateau rouge (في الأعلى). غلاف الطّاقة (في الوسط).تطوّر للتردُّد الأساسي (في الأسفل).

 

على المحور الرّأْسي (بُعْد رأسي) تُمثّلُ مختلف نطاقات التّردُّد، وبالمقابل يُمثّلُ الزّمن على المحور الأفقي (إحداثي سيني). فدرجة اسْوداد الفيلم يُترجم كمية الطّاقة المُضافة الى كل نطاق تردُّد وتصاعُدها حسب الزمن. وهذا التّمثيل يُمكِّننا إذن من تمييز خصائص الصوْت المُركب المُسجّل، يعني تردُّداته وحركاته. وكما سنلاحظه في ما يلي، فانطلاقاً من هذا الشّكل التّمثيلي كان من المُمكن أن نتناول بصفة دقيقة دراسة إدراك الكلام.

ملاحظة :  ترقبوا مقالاً مُكمِّلاً بعنوان (تحليل وصفي لأصوات الكلام)



11/04/2020
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Ces blogs de Littérature & Poésie pourraient vous intéresser

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 50 autres membres