LEXICARABIA

LEXICARABIA

إدراك الكلام 1

(La perception de la parole)

ترجمة : عبدالغفور البقالي

 

       بإمكاننا وصْفُ عمليّة إنتاج الكلام على شكل  سلسلةٍ من العمليات والتَّمثُّلات قد تسمحُ بربط مراحل مُبكرة للتّصورات مع تلك التي تحدثُ في النهاية عند التّلفُّظ، ونستطيع بالتَّالي تحليل عملية تصوُّر الكلام بالاعتماد على سلسلةٍ من العمليات والتَّمثلات التي تسمح بربط المعنى التصوُّري بإشارة مادية أو مُنبِّه الكلام (stimulus de parole).

      وبما أنّ "مدخل" نظام التصوُّرات يتكون من إشارةٍ مادِّيةٍ، فالسؤال الأوّل الذي ينبغي أنْ نُجيب عليه هو معرفة خاصيّات الإشارة نفسها. فانطلاقاً من هذا التَّحليل سنكتشفُ عملية التصوُّر.

 

أصوات الكلام

 

      إنّ النتيجة النهائية في عملية إنتاج الكلام هو موجةٌ إصْغائيةٌ مٌركَّبةٌ (onde acoustique) أو "إشارة الكلام"، بحيث أنَّ خاصياتها مرتبطةٌ بعناية بتلك التي لها علاقةٌ بالنِّظام التّصويتي. وقبل معالجة طبيعة هذه الموْجة الخاصَّة بالتَّحديد سنطرحُ التساؤل العامّ لنتعرَّف على الموجة الصَّوتية. 

       في أصْل كلِّ موجةٍ صوْتيّةٍ يوجدُ جسمٌ يهتزُّ؛ وخاصيّات الموْجةِ تعْتمدُ على ذلك الجسم المُهتزّ. فعندما يهتزٌّ جسم يُحْدِثُ اضطراباً في توزيع جُسيْماتٍ على الوسط الذي يتجلّى فيه. ففي الوسط الهوائي تنْتُجُ هذه الاضطرابات عن طريق تعاقُبِ تمركزات وتخلخلات في توزيع جُزيئات الهواء. وهذا الاضطراب يتحرّكُ بسرعة 340 متراً في الثانية تقريباً. وبالفعل هذه الاضطرابات في توزيع كثافة جُزيئات الهواء التي تنْتشِرُ مُحدثةً بذلك الموْجة الإصغائية. وهذه الأخيرة هي التي ستؤثر في أذن المُستمع وليست جُزيئات الهواء المتحركة في البيئة المباشرة للجسم المُهتزّ.

 

وفي هذا السِّياق ينبغي تسجيل نقطتين مُهمَّتين : 

أما النقطة الأولى فتتمثّلُ في نقْل الموْجة الصَّوتية، وهذا يتطلَّب وجودَ وسط للانْتشار. وفي غيّاب هذا الوسط ينْعدمُ الانتشار، وبالتّالي لا يوجدُ صوْت. ويكفي لإدراك ذلك تشغيلُ رنينٍ قد نضعهُ تحت جرسٍ فارغ. فنلاحظُ إذن عدم وصول أيّ صوت الى آذاننا. 

والنقطة الثانية ولها ارتباط بالأولى، وتتمثل في سُرْعة إيصال الموْجة الصَّوتية، وأنها تختلف حسب وسط الإنجاز. فسُرْعة إيصال الموْجة الصَّوتية ليست متشابهة بالنسبة للبيئة الهوائية والبيئية المائية. 

وكما بيَّناه أعلاه فخاصيات الموْجة الصَّوتية تعتمد على طبيعة الجسم المُهتزّ. ففي حالة الكلام تكون خاصيات الموجة الصَّوتية أو "إشارة الكلام" معقدة جداً لأنها مُنْبعثة من نظام تصويتي هو نفسه معقّد. وفي هذه الحالة تتدخل مختلف مُكوِّنات النظام التّصويتي لتحديد خاصيات الموجة. وقبل تدقيق الخصائص الإصغائية لهذه الإشارة، سنعالجُ في ما يلي بإيجاز "مسار" المعلومات الناتجة عن أيَّة إشارةٍ إصْغائيّةٍ في نظام المعالجة السَّمعية. ينبغي التَّذكير فقط أنَّ تعقيد إشارة الكلام تُترجمُ أساساً باشتمالها على موْجات مُتعدّدة والتي تتغير بفعل الزَّمن.

 

"مسار" المعلومة في النِّظام السَّمعي

 

       في الظٌّروف العادية للتَّواصل سوف تصل الموجة الصًّوتية المُنبعثة من الجهاز التَّصويتي للمُتكلم بعد فترةٍ يسيرةٍ عموماً إلى النِّظام الصَّوتي للمُستمع، محدثةً إحساساً سمْعياً. ما بين وصول الإشارة وإثارة الحسَّاس السَّمعي تتموْضعُ سلسلةٌ مهمَّةٌ، والتي يمكن تلخيصها بكل إيجاز (انظر الشكل1).

 

 Fig 1 p. 153.jpg

 

        في البداية ستؤثر الموْجة الصَّوتية في الأذن الخارجية للمستمع وستُحدِّدُ بالتالي تشغيل اهتزاز غشاء حسّاس للغاية او الطِّبْلة (tympan). وهذا الاهتزازُ سينشِّطُ بصفةٍ آليةٍ سلسلةً من العُظيمات (المطرقة والسندان والفرجار) بحيث تُغيِّر الحركات ضغط سوائل الأذن الدَّاخلية أو قوقعة الأذن (cochlée). ففي الواقع تعمل آخر عُظيمة أي الفرجار كمِكْبس (piston) في فتحة صغيرة تتواجد في عظم، ويُطلق عليها "نافذة بيضوية" والتي تتصل مباشرة بسوائل الأذن الداخلية أو قوقعة الأذن.

         فقوقعة الأذن تتمثّلُ على شكل نفقٍ لولبيٍّ ولها غشاء، الغشاء القاعدي، الذي يتحمل انتشار تغييرات ضغط سوائل الأذن. فنظراً لتنظيم هذا الغشاء فأهمية تنقلاته مرتبطة بمختلف التَّردُّدات التي تُكوِّن الإشارة. ويوجد بالفعل في هذا المستوى شكلٌ من أشكال التَّحليل التردُّدي لإشارة الكلام.

وتُرمّزُ تغييرات الضَّغط في الأذن الداخلي بواسطة خلايا داخلية على شكل شُعيْرات (cellules ciliées)، والتي تتوفّر بدورها على انتقائية التردٌّد، والتي تُشكِّل بالتالي مُتلقيّات حِسِّيَّة حقيقيَّة تُمكِّن انتقال الاهتزازات الى العَصَب السّمْعي. وتنقل ألْيافُ هذا العصب هذه الرسائل الى قِشْرة الدِّماغ (cortex) بعد عدَّة مراحل وبمختلف المراكز.

      وبعدم الخوْض في التَّفاصيل، نكون قد لاحظنا تنوُّع أشكال الإرسال المُستعمَلة في النِّظام السَّمعي؛ إرسالٌ هوائيّ حتى الطِّبلة، إرسالٌ آليّ حتى الأذن الداخلي، إرسال مائي-آلي،  وأخيراً انطلاق كهروكيميائي وإثارة النبض العصبي.

 

  إدراك الكلام 2

 



19/11/2018
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Ces blogs de Littérature & Poésie pourraient vous intéresser

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 50 autres membres