LEXICARABIA

LEXICARABIA

Langue, langage, parole

 

الجزء الأول : عموميات 

الفصل الأول : لغة، كلام، قول 

 

 

ترجمة: عبد الغفور البقالي

 

"القول سمة شائعة في الحياة اليومية حتى أننا لا نتريث إلا قليلا لتعريفه. ويبدو طبيعيا كالمشي وتقريبا أقل عادي من التنفس."

ادوارد سابيـر Edward Sapir

 

تمثل اللغة المنطوقة أو الكلام التلفّظي بدون أدنى شك الوسيلة المتميزة في التواصل بين الكائنات البشرية. ويمثل كذلك التعبير الطبيعي لتلك الملكة المعرفية والمجردة جدا والنوعية التي تجعل منا كائنات بشرية: وهي ملكة الكلام.

 

والحقيقة أن اللغة المحكية  أو القول (parole) هي بمثابة وسيلة نقل أساسية للتعبير اللغوي، بحيث أن التمييز بين اللغة والكلام والقول لم يتم دائما التعرف عليه بوضوح. ألسنا نتكلم عن "موهبة القول" للدلالة على أن الكائنات البشرية لها المقدرة (capacité) على تعلم اللغة، وبالتالي ألم نحاول تعليم الشمبانزي "الكلام"، كما كان الشأن بالنسبة للأعمال الأولى لعلماء النفس في هذا الموضوع (Kellog,1933, Hayes,1951)، بدون الالتفات إلى أن "فن إيصال أفكارنا يتوقف بصفة أقل على الأعضاء التي تساعد في هذا التواصل، ولكن يتوقف على الملكة الخاصة بالإنسان القادر على استعمال كلام المستند إلى نسق من الإشارات الاعتباطية   (Boysson-Bardies,1966, p.14)؟

 

ولكن ديكارت سجل بوضوح في مقالة المنهج (Discours de la Méthode)  بأن عملية التلفظ بكلمات كما يفعله بعض الحيوانات ليس في حد ذاته إشارة لامتلاك اللغة )وكذلك الفكر(، وبالتالي عدمية القول التلفظي (parole articulée) عند الصم-البكم لا تدل على أن هؤلاء لا يتوفرون على اللغة )وكذلك الفكر(. ويسجل بالنسبة للنقطة الأخيرة : "أن الأشخاص الذين يولدون صما وبكما ليست لهم أعضاء كالتي يستعملوها الآخرين للتكلم، فهم كالبهيمة أو أسمى اعتادوا ابتكار بعض الإشارات التي يتفاهمون بواسطتها مع من لديهم متسع من الوقت لتعلم لغتهم."

 

إن ملاحظة ديكارت تبين بوضوح الفرق بين القول والكلام. ولكن الميل إلى الاعتقاد وحتى افتراض )كما هي الحالة في يومنا هذا( أن الكلام المنطوق هو الوسيلة الأوحد للتواصل والتعبير عن الفكر، أدى إلى نتائج هامة على المستوى العلمي، وبالتالي على المستوى العملي، وذلك ما يمكن أن تحدثه تلك النظرة للكلام أن تحدثه.

 

وفي مقال جوهري للأسس البيولوجية للكلام، بين لينبرغ (1964) Lenneberg هذه النقطة بسرده حكاية إقامته في مدرسة للصم بالولادة. إن لمسئولي هذه المدرسة طموحا، محمودا من وجهة نظرهم، يقضي بإدماج الأطفال الصم في الوسط الاجتماعي "العادي" للأشخاص المتكلمين. ولهذه الغاية حاولوا أن يدفعوا بالصم الخلقي أن يتخلوا عن الكلام الإيمائي (langage gestuel) الذي يستعمله هؤلاء بصفة تلقائية، وأن يستبدلوه بممارسة التصويت (vocalisation) والقراءة الشفوية. ولاحظ لينبرغ أن الأطفال الصم يتواصلون فيما بينهم بواسطة إشارات من ابتكارهم، وذلك حينما تتاح لهم أدنى فرصة. وأضاف أن الطفل الملحق بهذه المدرسة والذي لم تكن له أية علاقة قبل ذلك بأطفال صم آخرين، يتواصل مع رفاقه الممدرسين بنفس تلك الإشارات. ماذا يمكن إذن أن نستنج من هذه الحكاية غير أن الإشارة وليس القول هي التي تمثل أداة التواصل "الطبيعي" عند الصم، وأن فرض لغة منطوقة تمثل بالنسبة لهم عقبة كأداء في الحياة اليومية: ولكن لم يتم ابتكار لغة الإشارات (langue de signes) إلا سنة 1995 في أول معاينة طبية بباريس !

 

وقد أدت أبحاث حديثة إلى الاعتقاد الراسخ أن لغات الإشارة هي كونها لغات بمقدورها تحقيق تواصل من نوع معين، له نفس الفعالية كغيرها من اللغات المنطوقة، ولتلك اللغات قدرات كتلك التي يختص بها الكلام. وهي التي تستعمل أيضا عددا محددا من الرموزلتوليد مجموعة غير محددة من التراكيب تتطابق مع مقولات لها دلالتها.

 

اللغات والكلام


هناك جانبا مثيرا هو أن ملكة الكلام يعبر بها  ليس على شكل لغة واحدة، ولكن بتعددية عجيبة من اللغات، بحيث تمثل كل واحدة نظاما شديد التميز على الصعيد الصّواتي والصرفي والتركيبي والدلالي. إن انتقال السكان عبر الكرة الأرضية يبين إلى أي حد يكون الكلام سريع التأثر بالظروف الجغرافية والسياسية والثقافية التي تصاحب هذه التنقلات. كما بينها على وجه الخصوص كفالي- سفورزا Cavalli-Sforza (Cavalli-Sforza, Minch, et Mountain,1992)  يوجد تشابه واضح بين التطور الوراثي والتطور اللغوي. فقد أدت العزلة الجغرافية من جهة إلى تكوين اختلافات وراثية؛ ومن جهة أخرى، إلى اختلافات لغوية. وهكذا تبين أن ملكة الكلام المشتركة بين الكائنات البشرية "تستجيب" إلى الظروف المتغيرة للوسط بتوليدها لغات بحيث تحدث كل واحدة منها تجمعات بشرية ذات ثقافة خاصة بها. فإمكانيات التواصل اللغوي بين شعوب لها في حقبة معينة من تاريخها لغة مشتركة، سوف تتضاءل تدريجيا بسبب تباعدهم الجغرافي لأن ألف سنة تقريبا كافية لأن تتطور لغة ما بطريقة مهمة جدا.

إن معرفة إذا كانت اللغات "تشتق" من لغة أم واحدة كما تطرحه فرضية الأصل الواحد hypothèse monogénétique أو أن لغات "مختلفة" برزت إلى الوجود في تجمعات بشرية مختلفة، تكون لغزا لم يجد إلى حد الآن حلا مرضيا.

 

وقد نجد خلف هذا التنوع اللغوي الهائل الوحدة العميقة للغة ليس فحسب أن اللغات جميعها تشترك في خاصيات أساسية، ولكن التيقن أن كل طفل يمتلك منذ ولادته القدرة لتعلم أي منها من بين 5000 لغة المتواجدة حاليا، وهذا بطريقة متماثلة وسريعة وتلقائية. كل طفل ولد لتعلم الكلام إلى حد أنه إذا حرم من ذلك في أعوامه الأولى فسوف يصبح كل تعلم لاحق غير ممكن تقريبا. فحالة "الأطفال المتوحشين" كالشهير فيكتور دي لفيرون Victor de l'Aveyron  يشهدون على ذلك. إن ملكة الكلام وهي متجذرة بيولوجيا تمثل النواة الصلبة للطبيعة البشرية.

 

 

 



11/10/2010
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Ces blogs de Littérature & Poésie pourraient vous intéresser

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 50 autres membres