Analyse descriptive des sons de parole
تحليل وصْفي لأصْوات الكلام
ترجمة : عبدالغفور البقالي
بما أنّنا نتوفّرُ على الطّيْفِيّة (راسم الطّيْف الصوتي)، فقد أصبح مُمكنا التساؤل عن ماهيّة الخاصيّات الإصغائيّة أو "المُؤشِّرات" التي تَدْعمُ مُختلَف أصْوات الكلام أو الصّوْتِيّات.
نظريّاً يكفي مُقارنة خاصِّيات الإشارة، كما هي مُمَثّلة في الطّيْفِيّة، مع تلك التي تُمثِّلُ الجواب الإدراكي لمُتكلِّمٍ لنسْتنتِج ما هي المُؤشِّرات الإصْغائيّة التي استعملها هذا الأخير ليُحَدِّد مُختلف الأصوات. ومع الأسف، تبيّنَ أنّ هذه المُقاربة، جيِّدة نظرِيّاً، ولكنها مُعقّدة أكثر ممّا كان مُتوَقّعاً. وسوف نرى لماذا.
في الواقع، التّركيز على الطّيْفِيات الأولى أبْرزت "الفجْوة" العميقة التي توجدُ بين المُميّزات الإصْغائيّة للإشارة وتلك التي بواسطتها نُدْركُ الإشارة. ومن المؤكّد أنّ إدراكنا لسلسلةٍ من أصْوات الكلام تبدو ذات طبيعة تتابُعيّة بحيث أنّ مُختلف الأصْوات التي نُنْتجُها تلي بعضها البعض على المحْور الزّمني؛ وتتمثّلُ الطّيْفيّة أساساً على صيغةٍ مُتواصلةٍ بدون علامةٍ إصْغائيّةٍ بارزةٍ لحدود مُكوِّناتها. وهذا صحيحٌ ليس فحسب بالنسبة للأصْوات الأساسيّة، ولكن بالنسبة للمقاطع والكلمات، وكذلك وبصفةٍ مُتكرِّرةٍ للجُمل. فالاستنتاج الذي يفرضُ نفسه هو أنّ الطبيعة التّسلسليّة للإدراك "يُقْحمها" المتكلمُ نفسُه لأنها غير مُتوفِّرة إطلاقاً. فقد نُنْتجُها وبصفةٍ بسيطةٍ أو مباشرةٍ في إشارة الكلام.
والخاصيّة الثانية لإشارة الكلام المُلْفتة للنّظر هي تغيُّراته القُصْوى. وتغيُّرات الإنتاج هذه لا تعْتمدُ فحسب على خُصوصيات المتكلم كالسّنّ أو الجنس، ولكن توجدُ كذلك بين مختلف الإنتاجات لنفس الصّوْت المُحقّق ومن نفس المُتكلم وفْقاً للسّيّاق الصّوْتي للإنتاج. وفي هذه الحالة الأخيرة فإنّ لها علاقة بتغيُّرٍ مشروطٍ بالسِّيّاق.
والخاصيّة الثالثة تتّسِمُ بتكرار مُهمٍّ للعلامات الإصْغائية، والتي بإمكانها أنْ تؤسّس لإدراك صوْت الكلام. وهذا يعني أنّ نفس صوْت الكلام يُوصَلُ عموماً بعدّة مؤشرات إصْغائيّة بحيث أنّ غياب أو تشويه لبعض المؤشّرات لا يُغيّرُ بالضّرورة وُضوح الصّوْت. وهذه السّمة تُبيِّنُ بأنّ هذا الصّوْت يُمكن إدراكه تامّاً في ظروف ضوضائية قد تُخْفي عدداً من مميّزاته.
فهذا العمل الوصْفي المُنْجَز انْطلاقاً من تحاليل الطيْفيّة أدّى الى مجموعةٍ مُعيّنةٍ من الملاحظات المُهمّة في ما يتعلّقُ بنوعية الإنتاج الإصْغائي لمختلف أصْوات الكلام. وهذا التّحليل الإصْغائي الوصْفي قد أدّى بالخصوص إلى فهْمٍ أفضل للعلاقة القائمة بين خاصيّات المؤشّر الإصْغائي والتّشكيلات والإيماءات اللّفظية التي تكون من وراء هذا.
وبصفةٍ عامّةٍ تتميّزُ الحركاتُ (أو الصّوائت) من الناحية الإصْغائيّة بتركيز الطاقة في نطاق التّردُّد، فتتميّزُ الصّوائت من الوجهة الإصْغائيّة بتمرْكزات الطّاقة فيي مواضع مُحدّدة لتردُّدات أقلّ حِدّة، والمُسماة "مُكوِّنات". والمُكوِّن (formant) يشْتملُ على تردُّدٍ أضْعف، يُطلَق عليه المُكوِّن الأوّل (F1). والمُكوِّن الذي يتوفّرُ على تردُّدٍ أعلى مباشرةً هو المُكوِّن الثاني (F2). وهكذا... وهناك طريقةٌ شائعةٌ لتمْثيل الصّوائت تقضي بوضعهم على المستوى F1 و F2. كما يبيّنُه الشّكل 5. فصوائتُ الفرنسية تتوزّع على مُثلّثٍ مطابقٍ للوصْف التّلفُّظي المعياري.
شكل 5. مُثلّث الصّوائت من الوجهة الإصْغائية (A)
والتّلفُّظية (B)
فالإنجازُ الإصْغائي للصّوامت يكون غير متجانسٍ بضوح تامٍّ بحيث يتغيّرُ بصفةٍ مُهمة حسب نوعية الصّائت أهو انْغلاقي، احتكاكي أم مُصوّت.
الصّوامت الانغلاقيّة (p, t, k, b, d, g) تتمثّلُ على الطّيْفيّة (رسم الصّوْت) على شكل صوْت انْفجارٍ متبوعٍ بتغييرات سريعة للطّاقة التي ستلْتحقُ بالمُكوِّنات، بمعنى "تحوُّلات" (انتقال صوْتي)، تحوُّل المُكوِّن آلأوّل، وتحوُّل المُكوِّن الثاني، الخ. فتحقيقُ صامتٍ انفجاريٍّ (انغلاقي) يضمُّ مرحلة أوّليّة من الصّمت المُعبِّرة عن انسداد القناة السّمعيّة يُتْبَعُ بخطِّ انفجار وصوْت احتكاك. وفي حالة الصّوائت الانغلاقية المجهورة (b,d,g)، فالصّمت غير مُطْلق لأن ارتجاج الحِبال الصّوْتيّة يتمُّ قبل الانفجار الصّائتي. فالشكل 6 و 7 تُمثِّلان تشكيلاً تخطيطيّاً لغلاف الطّاقة الذي يُميّزُ إنتاج الصّوامت /p/ المهموس و/b/ المجْهور.
شكل 6
غلاف الطّاقة بالنسبة للصّوْتيّة /p/
فبالإمكان أنْ نُلاحظ بوضوحٍ في الشّكل 7 وجود موجة جيبية (onde sinusoïdale) التي تتلاءم مع الإجهار القبلي (prévoisement) (اهْتزاز الأحبال الصّوتيّة قبل الانفجار الصّوامتي) عند إنتاج الصّامت (b).
شكل 7. غِلاف الطّاقة للصّوْتيّة /b/
أما بالنسبة للصّوامت الاحْتِكاكيّة (s, z, f, v) فهي تتميّزُ من الناحية الإصْغائيّة بتمركُزٍ منتشرٍ إلى حدٍّ ما، ومُبعْثِرٍ للطّاقة على نطاقاتٍ واسعةٍ لتّردُّد الطّيْف. وأخيراً فالصّوامت (l, R, m, n, j, w, y) لا تتوفّرُ إلاّ علي نسبةٍ قليلةٍ من الضّجّة وتتحقّقُ على شكل مُكوِّناتٍ مُتشابهة لتلك التي تتميّزُ بها الصّوائت.
فالملاحظات التي تمّتْ انطلاقاً من طّيْفِيّات الكلام العادي والتي أحَلْنا إليها أعلاه لها أهمِّيّة كبيرة لأنها تُقدِّم طبيعة المعلومات الإصْغائيّة أو "المؤشِّرات" التي ينبغي أنْ يستثمرها المُسْتمِعُ ليتعرّف على صوْت الكلام، وكذلك ليُميِّز بين مُختلَف الأصوات. ولكن بالنسبة لعالِمِ النفس المُهْتمّ بدراسة إدْراك الكلام فقد يعتمدُ مقاربةً تقتضي تحديد خاصِّيات الطّيفِيّات العادية مع تلك التي تُحدِّد إدراكها. رغم هذا فإنها تبقى ناقصة جدّاً. ولنتمكّن في الواقع من معالجة إدراك شيء مُركّب xبصفة جيِّدة ، فمن الضّروري تنويع وبصفة خاضعة للمراقبة مختلف الأبعاد لهذا الشيء حتى يتسنّى ربْط العلاقة مع التغيُّرات المُصاحِبة لإدراكه. وبصفةٍ عامّةٍ، إذا أردتُ بصفتي عالِم نفس دراسة تّغيُّرات الإدراك لمُنبِّه (stimulus) حسب واحدة من خاصِّيّاته، عليّ تغيير هذه الأخيرة بشكلٍ مُراقَبٍ ودراسة تأثيرها على الإدراك.
وفي مجال إدراك الكلام اعتُمِدَتْ هذه الإمكانية في بادئ الأمر لإقامة آلية (pattern play-back "نمط إعادة التشغيل") يُمكِنُها تحويل طّيْفِيّة النّمَط الإصغائي الأصلي. وفي مرحلة ثانية، سنستطيع ليس فحسب "إعادة ترجمة" الطّيفِيّات، ولكن أيضاً "بناء" أصوات انطلاقاً من إنشاء طيفِيّات اصطناعيّة (spectogrammes artificiels). وهذا هو مبدأ الكلام التّوْليفي (parole de synthèse).
فانطلاقاً من تحليل طيْفِيّة الكلام العادي يُصيغُ المُجرِّبُ فرضيّات لطبيعة المعلومات الإصغائيّة المُلائمة لإدراك مُختلَف أصوات الكلام. وعلى هذا الأساس يستطيع بالتالي تركيب طيْفِيّات اصطناعيّة أو تخطييطيّة والتي لا تشتملُ إلاّ على العلامات المُنْتقاة مُسْبَقاً. وبعرض هذه العلامات مُخْتزَلة "بواسطة نمط إعادة التّشغيل" (pattern play-back) فسيضعُ صِحّة فرضيّاته التي انطلق منها على المِحكِّ .
إنّ الدراسات المُنْجزَة حسب هذا المنظور باعتمادها الطّيْفِيّة الاصطناعيّة انطلقتْ في الأساس من بحوث أ. ليبيرمان A. Liberman ، كوبير Cooper ،وزُملائهم في مُختبرات هاسكينز Haskins Laboratories.
وسنُعالج في ما يلي النتائج الأكثر أهمية لهؤلاء الباحثين.
-
في انتظار المقال التالي بعنوان
السِّمات العامّة لإدراك الكلام حسب التّجاريب التّوْليف الإصْغائي
A découvrir aussi
- Le processsus de sélection lexicale 1/2
- Encodage morpho-phonologique. Notion de lexème.
- إدراك الكلام 1
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 50 autres membres