LEXICARABIA

LEXICARABIA

Les fondements biologiques du langage

الفصل III

 

الدماغ والكلام:

الأسس البيولوجية للكلام المنطوق


ترجمة: عبد الغفور البقالي

 

»              ليس هناك أي سبب وجيه لعدم تصديق الفكرة الديكارتية بأن المقدرة على  استعمال العلامات اللغوية للتعبير عن أفكار صيغت بصفة حرة تكوّن "التفريق الحقيقي بين الإنسان والبهيمة". " نعوم شومسكي،1997[1]

 

         إذا تقبلنا فرضية أن الكلام هو ملكة بيولوجية مُحدَّدة، فمن المهم أن نبين ما هي البُنى والآليات الدماغية التي تتحكم فيها. فالمقصود بصفة خاصة هو تمييز البنى الدماغية التي تشارك أو تجعل ممكنا مختلف أنواع المقدرات اللغوية والتي من بينها خصوصا تلك التي تنتج و تدرك الكلام المنطوق. وتفترض هذه المقاربة أن نظام تحليل الكلام يمكن تركيبه في المستوى الدماغي بتعبير المُكوِّنات الفرعية التي لها تموْضع خاص بها. وقبل بحث هذه النقطة بدقة سوف نعالج في البداية بعض الحُجج التي اعتُمدت بالنسبة للإسس البيولوجية للكلام.

 

الأسس البيولوجية للكلام


         تُعتمَد غالبا حجة للدفاع عن فرضية الأسس البيولوجية للكلام، وهي عدم وجود مجتمع إنساني معروف لم يطور لغة. وبالتالي حيث يوجد مجتمع إنساني يوجد كلام، وتتقاسم جميع اللغات الإنسانية مجموعة لا يستهان بها من الخاصيات التي أوضحتها اللسانيات الحديثة. إذن هل وُلِدْنا للكلام؟ هل توجد مقدرة خاصة لاكتسابه واستعماله؟ إن كل المعطيات تؤكد على هذا المعتقد، بحيث أن بعض الباحثين ومن بينهم بينكر Pinker لا يترددون في التحدُّث عن غريزة للتكلم. ودافع تشومسكي Chomsky بقوة، اعتمادا على فرضية ضعف المُنبِّه (pauvreté du stimulus)، أن المعطيات التي يتوفر عليها الطفل لاكتساب لغة محيطه ليست كافية لتحديد هذه الأخيرة. ويفترض بالتالي أن الطفل "يعرف" بصفة فطرية خاصيات الكلام التي لا يمكن أن تُستَنتج انطلاقا من تعلم لغة بعينها. ففي تأويل نظريته الاختزالية (minimaliste) يتألف النحو الكُلي (grammaire universelle) الذي قد يكون للطفل به معرفة فطرية من مجموعة من المبادئ العامة التي ستبعد الفرضيات المحددة. فببساطة سيمنح المحيط الطفل الفضاء اللغوي الذي سيمكِّنه من صياغة فرضياته المحددة المتعلقة بخاصيات اللغة الخاصة التي تواجهه. وبالتالي سيحفظ الفرضيات التي تتلاءم والمعطيات اللغوية. وبهذا فإن سيرورة تعلُّم لغة يمكن أن تُفهم كسيرورة تكيّف أو انتقاء لعوامل ملائمة تضافة إلى مختلف المبادئ. فعلى الطفل مثلا أن "يقرر" إذا كانت صِواتيّة اللغة التي تواجهه تتوفر أو لا على  نبرة معجمية (accent lexical). وحسب مواجهته للإسبانية (لغة ذات نبرة معجمية تباينية) أو للفرنسية (لغة غير متوفرة على نبرة معجمية تبايُنية) فإن العامل الملائم سوف يُثبت. وفي حالة إنجاز التسوية فإن نظام التحليل سيكون سريع التأثر بالقيمة المُعدّلة (valeur ajustée)، وسيواجه الطفل بعد ذلك صعوبات لتحليل لغة أخرى بحيث ستصبح التسوية غير صحيحة. وتتوافق مع هذه الصيغة عدد من الملاحظات المنبثقة من دراسات منجزة حول تطور المقدرات الإدراكية لتحليل الكلام المنطوق (راجع جوسزيك [2] Jusczyk، 1997 حول هذه النقطة بالذات). وبالفعل فإن الفرضية الفِطرانية (hypothèse innéiste) لا يتقاسمها عدد من سيكولوجيي اللغة، فعدة مقترحات نظرية مختلفة قُدّمت في هذا الشأن. باعتمادها فرضية خصوصية الكلام فإن هذه المقترحات تعترض على لزومية أن تُعزى للطفل المعرفة الفطرية لمبادئ النحو. فإيجاد منتوج فريد، وهو الكلام الإنساني، لا يعني بالضرورة حسب هؤلاء الباحثين أن الميكانيزمات والإكراهات (المادية والاجتماعية والبيولوجية الخ.) التي هي من أساسيته،  ليست متقاسَمة من طرف المقدرات المعرفية الأخرى.

 

بصرف النظر عن صحة هذه المقاربات، فالمهم هو معرفة أن وجود قصور حواسي، حركي أو معرفي بارز جدا لا يبدو قادرا على عرقلة تعلُّم اللغة. وبناء عليه قد تكون هناك على الأقل استقلالية كافية للمقدرات اللغوية بالنسبة للمقدرات الحسية والمعرفية الأكثر عمومية. فإذا أُلقي بطفل في سنواته الأولى في محيط لغوي بعينه، فإنه سيكتسب لغة  هذا المحيط بصفة شبه تلقائية يتعذر كبتها. وبهذا لا نعرف طفلا قد يمتنع عن اكتساب اللغة. وبالمقابل ورغم المهارة التي أبداها ثلة من علماء النفس، لا يوجد نوع حيواني قادر على تطوير مقدرات لغوية متشابهة لتلك التي ينفرد بها الكائن البشري. ويبدو أن اللغة تمثل "النواة الصلبة" للطبيعة البشرية. وقد تؤدي مثل هذه الملاحظات بكل بساطة  إلى اعتبار أن الكلام هو نتاج دماغ له بنية خاصة به وبصفة كلية: الدماغ البشري. وتبقى مع ذلك العلاقة بين البنية الدماغية واللغة هي بدون شك معقدة جدا، لأن هذين النوعين من الظواهر ليستا مستقلتين. وبتعبير آخر، إذا كانت البنية الدماغية للكائن البشري سمحت في وقت معين من تطورها بروز اللغة فإنها غيرت من جانبها بصفة هامة حجم الدماغ وبنيته الخاصة. وقد تصور بينكير Pinker[3] (1999) الكلام كنتاج للانتقاء الطبيعي (sélection naturelle) وليس كنتيجة لحادث تاريخي، أو كـ"انقطاع" تطوُّري كما يرتئيه تشومسكي. ويبقى أيضا أن نعرف في أي وقت لتطور الجنس ظهر الكلام، وبالنسبة لهذه النقطة بالذات تتنافس فرضيات متنوعة جدا. فإذا كان البعض يؤكد أن هذا الظهور أتى متأخرا ومفاجئا وبالتالي أدى إلى كلام معقد كما نتصوره في الوقت الراهن، فالآخرون يُرجعون هذا الظهور إلى زمن سحيق في الماضي الإحاثيّ (paléontologique)، وقد يكون مسبوقا بإعداد لغة أوّلية (protolangage) والذي سيتعقد بصفة تدريجية. ليست الغاية هنا معالجة مختلف هذه الفرضيات بحصرنا لمشكل الأسس البيولوجية للغة اعتمادا على الأبحاث الخاصة التي تحدد إلى أي مدى تكون مختلف المقدرات اللغوية أساسا للبنى الدماغية المتباينة. وسنتعرض فيما يلي لهذه الإشكالية بمعالجة تاريخية للتصورات الرئيسية حول العلاقة دماغ- لغة كما وُضعت في إطار البحث في علم النفس العصبي (neuropsychologie).

 



[1]  اللغة والإدراك  Le langage et la cognition
[2] في كتابه المشار إليه: اكتشاف اللغة المحكي، The discovery of spoken language
[3] في مؤلفه: غريزة اللغة   L'instinct du langage


21/01/2011
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Ces blogs de Littérature & Poésie pourraient vous intéresser

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 50 autres membres