Les principaux cadres théoriques de la perception de la parole
الأطر النَّظريَّة الأساسية لإدراك الكلام
ترجمة : عبدالغفور البقالي
إنَّ الإشكالية المركزية التي تُواجه النَّظريات العامة لإدراك الكلام هو التَّعرُّف على الطُّرق والتمثُّلات التي تُمكِّن من تجميع مُدْرِك أصواتي ثابت (percept phonétique) وعلامة إصغائيَّة امتدادية ومُتغيِّرة في الأساس.
طرْحُ صعوبة هذه المسألة بهذا الشَّكل ،حتى وإنْ كان مُجرَّد تعريف موضوع هذه النَّظريات، خاضع للنِّقاش. ويُمكن اعتماد ثلاث مقاربات مختلفة : مقاربة تلفُّظيَّة والتي تعتبر الحركات التَّلفُّظية موضوع الإدراك؛ ومقاربة إصغائية-سمعية التي تهدف إلى سرد إدراك الكلام في إطار النَّظريات العامَّة للإدراك السَّمعي؛ والمقاربة التي سنُسمِّيها سيكو-لغوية (psycho-linguistique) والتي تهدفُ إلى تحديد كيف يُلائم المُستمِعُ عناصر لُغوَّية (صوْتِيَّة، مقطع، كلمة، جملة...) مع إشارة إصغائيَّة للكلام.
وسنُعالج في ما يلي بعض الأطر النظريَّة التي لها ارتباط بالزاويتين، وسنشير بالتالي إلى المقاربة السيكو-لغوية التي اعْتُمِدتْ في هذا المؤلَّف.
إدراك الكلام والتَّلفُّظ
النظرية الحركية لإدراك الكلام
في مضمون النّظرية الحركية (théorie motrice) لإدراك الكلام التي اقترحها خصوصاً ليبرمان Liberman ومساعديه[1] ، نجد الفكرة التي تُبيِّن أنَّ الإدراك ليس مُركَّباً من الإشارة الإصغائية وحسب، ولكن من الحركات التَّلفُّظية التي هي في أساس الإدراك. وبعبارة أخرى، إذا كان المُستمع قادراً على إدراك، بطريقةٍ مناسبةٍ، مُختلف أصوات الكلام وتراكيبها، فهذا راجع إلى أنَّ هذا المُستمع له القُدرة على "إيجاد" الحركات التَّلفُّظية للمُتكلم انطلاقاً من الإشارة الإصغائية. وتُمثل هذه الحركات التَّلفُّظية العناصر الأولى الأساسية في التواصل الشَّفوي. فالسبب الأساسي الذي دفع ليبرمان إلى هذه الفرضية هو أنَّ ظواهر الثبوت والانقطاع (phénomènes d’invariance et de discontinuité) الإدراكية تبدو مفهومة أفضل إذا أخذنا بعين الاعتبار الحركات التَّلفُّظية بدل الخاصِّيات الإصغائية لإشارة الكلام.
وينبغي الإشارة إلى أنَّه منذ بداية صِياغتها تعرَّضتْ هذه النَّظرية إلى تعديلات مُهمَّة باعتمادها المُعطيات التَّجريبية الجديدة المُنبثقة من الأبحاث في هذا المجال. فقد أثَّرت خصوصاً الأبحاث التي أُجريت على القدرات الإدراكية لأطفال حديثي السِّن تأثيراً مُهماً في هذا التَّطوُّر.
وكمثال لهذا التطوُّر يُمكن اعتبار ظاهرة الإدراك النَّمطي، كما بيَّناه، كظاهرة محوريَّة لطرْح فرضيَّةٍ لنظامٍ نوعيٍّ مُخصَّصٍ لعلاج الكلام.
من أجل تبليغ هذه الجزئية للإدراك فقد اقترح ليبرمان أنَّ التَّباين والتَّماثُل الإدراكي لأصوات الكلام هي نتيجة " تعلُّم" الحركات التَّلفُّظية الضرورية لإنتاجها.
ولقد تميَّزت أصوات الاستهلال لــ(ga) و(da) أنَّ الفاعل يرجعهما إلى حركات تلفُّظية مُختلفة. وكذلك إذا أدرك الفاعلُ الصَّوْتيَّة /d/ في مُستهلِّ المَقطع [da] و[di] رغم اختلاف المُؤشِّرات الإصغائية التي تحتملها، فهذا ناتج عن كونه "تعلَّمَ" أنَّ نفس الحركة التَّلفُّظية تُنجَزُ في مُستهلِّ كل واحدة من تلك المقطعين.
إنَّ مفهومي "التَّماثُلات المُكتسَبة" و"التَّباينات المُكتسبة" التي طُرِحت لشرح الطَّبيعة النَّمطيَّة للإدراك سيُتخلَّى عنهما بعد ذلك لأنهما لا يسمحان لفهْمِ كيف لمولودٍ في أيامه الأولى من عمره أن يتوفّر له إدراكٌ نمطيٌّ لأصوات الكلام.
ففي النسخة الحديثة للنَّظريَّة الحركيَّة سيعتمد ليبرمان ومتينغلي Mattingly مفهوم "النَّمْذَجة" (modularité) التي أدخلها فودور Fodor (1983) [2]. حسب هذه النُّسخة فإنَّ الطفل قد يتمتَّعُ منذ ولادته بنظامٍ معرفيٍّ (système cognitif) مُتخصِّصٍ أو"أنموذج" (module) لمُعالجة الكلام الشَّفوي. فالإدراك النَّمطي قد يكون "تعبيراً" لعمل هذا الأنموذج. والنقطة الأهمّ بالنسبة للنُّسخ السابقة للنَّظريَّة هو أنَّ الطِّفل ليس عليه أنْ "يتعلَّم" ربْط المعلومات الإصغائيَّة بالحركات التَّلفُّظية. وهذا الرَّبط يكون "مباشراً" ومضموناً بأنموذج الكلام. فالخُفَّاش مثلاً ليس عليه أنْ يتعلَّم مُدَّة إشارة الصَّدى (durée du signal échoïque) في المسافة ليتجنَّب العوائق. فالطفل إذن ليس عليه أنْ يتعلَّم ربْط الإشارة الإصغائية بنظام الإنتاج ليستوعب الرِّسالة الصِّوتوية (message phonémique). فهذه الأخيرة يُوصِلُها مباشرةً الأنموذج الأصواتي (module phonétique). فهذا الأنموذج يُمثِّل الإشارة الإصغائية المُتغيِّرة والامتدادية على شكل تتابُع مُميَّز لقِطَع أصواتيَّة.
وقد مكَّن الأنموذج الأصواتي ليبرمان ليس شرح بعض جوانب إدراك الكلام كما تقدَّم ذكره في الإدراك النَّمطي، ولكنه يُمكِّننا أيضاً من تفسير بصفةٍ معقولةٍ بعض الظَّواهر "الجديدة" التي تمَّ تحديثها في مجالات ذات صلة. وبهذا يمكن لنسخة هذه النَّظرية مثلاً أن تُقدِّم إطاراً تفسيرياً لمعرفة أنَّ إدراكنا للكلام يمكن أنْ يتأثَّر بالمعلومات البصرية لحركات التَّلفُّظ.
وقد أبرز هذه الظَّاهرة مايك غورك McGurk ومايك دونالد MacDonald (1976)[3] بتعريض الفاعل بصفةٍ مُتزامنةٍ إلى مُحفِّز سمعي (مقطع) ومُحفِّز بصري (حركة تلفُّظيَّة مُقدَّمَة على شاشة تلفزة). فبيَّنا أنَّ "هذا" الذي يُدركه الفاعل من الصَّوت يُحدِّدُه بصفة مُركَّبة هذين النوعين من المُحفِّزتين. وهكذا إذا كان المُحفِّز المُقدَّم سماعاً هو المقطع [ba] والحركة التَّلفُّظيَّة المُصاحبة له هو ما سيتحقَّق في توليد المقطع [ga[ ، يُصرِّح الفاعل أنَّه سمع المقطع [da]. فالصَّوت المُدرَك هو "نتيجة" توافق بين المعلومات البصريَّة والسَّمعية. بالفعل من الناحية التَّلفظية توجد الصَّوْتيَّة /d/ في وضع وسط بين /b/ (الصَّوتية المُنجَزة سماعاً) و /g/ (الحركة التَّلفُّظية المُقدَّمة بصرياً).
بيّنت أبحاث حديثة أنَّ أثر McGurk قد لوحظ عند أطفال بعمر بضعة أشهر. وقد دفع هذا المعطى ليبرمان ليستنتج أنَّه مظهر إضافي للأنموذج الأصواتي. وهذا المعطى قد يُمكِّن من ربْط العلاقة بين الحركات التَّلفُّظية والمُحفِّز السَّمعي للكلام.
دعنا نشير لنختم أنَّه رغم هذه التَّطوُّرات المهمَّة للنَّظرية الحركيَّة (théorie motrice) تظلُّ دون تغييرفي الأساس. فــ"النَّواة الصَّلبة" لهذه النَّظرية تعتبر الإدراك وإنتاج الكلام واجهتين لنفس نظام الإجراءات وأولوية الحركات.
وجهة نظر "واقعية" لإدراك الكلام
لقد اقترح فوفلر C. Fowler (1986)[4] بديلاً للنَّظرية الحركية. حسب هذا الكاتب، وبتناغم مع فرضيات ليبيرمان، فإنَّ موضوع إدراك الكلام يكون من طبيعةٍ تلفُّظيَّةٍ. ولكنه بهذا يتعارض مع ليبيرمان.اقترح فوفلير Fowler أنَّه من غير الضَّروري أن يكون هناك نظاماً مُتخصِّصاً أو "أنموذج" لنستطيع ربْط إشارة الكلام بالحركات التَّلفُّظية. فقد تبنَّى وجهة النظر "المباشرة" على نهح جيبسون Gibson[5]. وقد قدَّم فوفلير مُعطيات تجريبيَّة تتَّجهُ نحو توضيح أنَّ الإشارة الإصغائية للكلام تحتوي على معلومات كافية تُمكِّنُ المُستمع استنتاج الحركات التَّلفُّظية التي تدعم الإشارة بدون أن يستدعي نظاماً أو صيغة خاصَّة للمعالجة.
المقاربة السَّمعية لإدراك الكلام
على عكس الاقتراحات المُنبثقة من المُقاربة التَّلفُّظية، اعتبر بعض مُنظِّري إدراك الكلام أنَّ طرحها يأخذ بعين الاعتبار الخاصِّيات العامَّة للنِّظام السَّمعي، وبالتالي قُدُرات معرفيَّة أخرى كتلك المُتعلقة بالتَّعلُّم والتَّصنيف. فالمُعطيات المُعتمدَة في هذا الإطار تُبيِّن، من جهة، أنَّ خاصِّيات إدراك الكلام هي "انعكاس" للخاصِّيات العامة للنِّظام السَّمعي. ومن جهة أخرى، ليس من الضروري استدعاء صيغة لمعالجة أصوات الكلام التي قد تتمُّ بمُحفِّزات الكلام وتخُصُّ الجنس البشري. وبهذا مثلاً سُلِّط الضوء في عددٍ من الأبحاث على وجود إدراكٍ نمطيٍّ لإدراك أصوات الكلام عند بعض أنواع الحيوانات[6]. وفي نفس خطِّ البحث فقد تبيَّن أن ظاهرة الإدراك النَّمطي يمكن ملاحظته في المُحفِّزات غيرلغوية.
لقد عالجنا في الجزء الأول الخاصِّيات الأساسية لإشارة الكلام برجوعنا خاصَّةً إلى الأبحاث المُنجزة بواسطة الكلام التوليفي من طرف الباحثين في مختبرات هاسكينس Haskins. وقد سلَّطتْ هذه الأبحاث الضوء على التَّبايُن المُهمِّ الموجود بين الخاصِّيات الماديَّة لأصوات الكلام وإدراكنا لهذه الأصوات. وقد بيَّنوا خصوصاَ أنَّ إشارة الكلام لها شكل متمدِّد في الأساس والذي يتباين مع الطبيعة المُتميِّزة لأدراكنا. والجانب الثاني المهمُّ التي توصلت إليه هذه الأبحاث هو غياب ثَّوابت إصغائية بسيطة (invariants acoustiques) لإنتاج نفس صوت الكلام. فقيمة مُؤشِّر تعتمد بشكل وثيق على السِّيَّاق الإصغائي-الأصواتي (acoustico-phonétique). وسمحت هذه الأبحاث أيضاً بتوضيح بعض المميِّزات الأكثر خصوصية لإدراكنا لأصوات الكلام كما هو الحال في طبيعتها النَّمطيَّة. وأخيراً، قدَّمنا ثلاثة أُطُر نظرية لإدراك أصوات الكلام. ولكن النظرية الحركية لإدراك مكَّنت وحدها تطوير رؤية واسعة ومتَّسقة ومتكاملة لعمليَّة الإدراك. |
[1] Liberman, A.L. (1996), Speech, Cambridge, Mass.,MIT Press
[2] Fodor, J. A., (1983), The modularity of Mind, Cambidge, Mass.,MIT Press
[3] McGurk & MacDonald (1976), «Hearing lips and seeing voices», Nature, 264, 746-748
[4] Fowler, C. A., 1986, «An event approach to the study of speech perception from a direct-realist prespective», Journal of Phonetics, 14, 3-28
[5] وهو جيمس جيبسون James Gerome Gibson العالم النفساني الأمريكي (1904-1979). وكانت له الرِّيادة في مجال الإدراك البصري. وقد عارض نظرية السلوكية (béhaviorisme)، وكذلك المعرفيَّة (cognitivisme). وقد سُمِّيت نظريته بـ"النظرية البيْئيَّة للإدراك" (théorie écologique de la perception).
[6] Kuhl, P. K. (1981), «Discrimination of speech by nonhuman animals : Basic auditory sensitivities conducive to the perception of speech-sound categories», Journal of the Acoustical Society of America, 70, 3430-349
A découvrir aussi
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 50 autres membres